U3F1ZWV6ZTQ2MjU2ODgzNjIyMTFfRnJlZTI5MTgyODQyMDU5MDI=

القناعة كنز لا يفنى

القناعة كنز لا يفنى
القناعة

القناعة كنز لا يفنى، أَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ. الترغيب في القناعة والرضا.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإن القناعة سمة من سمات المسلم المؤمن الراضي بما آتاه الله تبارك وتعالى، المدرك لحقيقة أن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.

والقناعة معناها: الرضا بما قسم الله تبارك وتعالى.


أولا: القناعة سمة للمؤمن الصادق

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم.

هذا الحديث الشريف الجليل القدر، يبين صفة من صفات المفلحين، وهم الذين هدوا إلى الإسلام وآتاهم الله تبارك وتعالى من الرزق ما يكفيهم ولا يلهيهم، وقد قنعوا بعطاء الله تبارك وتعالى.


ثانيا: دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالقناعة وتعليمها لأصحابه


القناعة كنز لا يفنى، فقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يدعو ويعلم أصحابه ويعلمنا أن ندعو كذلك بأن يرزقنا الله تبارك وتعالى القناعة، فيما أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضى الله عنهما.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يدعو اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي بخير.

وفى رواية: واخلفني في كل غائبة بخير وكان ابن عباس رضى الله عنهما يدعو بهذا الدعاء.


عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم ارزق آل محمد قوتا. أخرجه الشيخان.

وكان صلى الله عليه وسلم: قانعاً بكل ما آتاه الله عز وجل، وعوًد أصحابه ذلك.

يقول أبو هريرة رضى الله عنه: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا تسع تمرات، وكنا تسعاً فأعطى تمرة تمرة.

هذا العطاء اليسير الذى قد تزهد فيه النفوس يبين لنا أبو هريرة رضى الله عنه، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قنعوا به ورضوا به، ورضوا بما آتاهم الله ورسوله من فضله.

وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، علمني دعاء أنتفع به.
قال: قل اللهم أغفر لي ذنبي ووسع في خلقي وبارك لى فى كسبي وقنعني بما رزقتني، ولا تفتني بما زويت عنى.
رواه الترمذي، ضعفه الالبانى.

أى: لا تعلق قلبي بما أخفيت عنى حتى لا أفتن وأتعلق بما لم تقدره لي، هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، وهكذا كان يعلم أصحابه ويعلم الأمة القناعة.


ثالثا: من الأساب المعينة على تحقيق القناعة


1- أن تدرك أنك في هذه الدنيا ضيف لا يلبث أن يرحل، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنما  أنا بشر يوشك أن  يأتيني رسول ربي فأجييب " رواه مسلم.


إذا أدركنا ما عند الله تبارك وتعالى من الخير، فإننا ندرك أن ما نحن فيه إنما هو بمثابة نزل الضيف، والضيف لا يتعلق بما في دار الضيافة، إنما يأخذ ما يكفيه في أدب وفى قناعة، ثم هو يدرك أنه راحل عن هذا، وذلك يُعينه على أن يلتمس القناعة.


2- أن تدرك أنه لا فائدة من جمع ما لا تنتفع به: لقد خلق الإنسان جموعا منوعا، والعاقل إذا تأمل سأل نفسه: ما قيمة الجمع الكثير الذى لا آكله ولا أشربه ولا أتمتع به ولا يكون لي فيه فائدة عملية؟.

هذا ما يجب أن يدركه كل عاقل، ولكن إذا كان الإنسان طُبع على الطمع، وعلى أن يجمع ويمنع، فإن الدين قد جاء ليهذب هذا الطبع العجيب.

يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ما طلعت الشمس قط، إلا وبجنبتها ملكان يناديان يُسمعان كل ما علي الإرض إلا الثقلين: أيها الناس هلموا إلي ربكم، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. مسند أحمد.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان لابن آدم واديان من مال لا بتغي ثالثا، ولا يسد جوف ابن  آدم إلا التراب. رواه البخاري.


والعاقل يسأل نفسه: ما قيمة الوادي والواديين والثلاثة؟ ما قيمة كل هذا إذا كان لا ينتفع به؟ ليس لك ياابن آدم إلا ما أكلت فافنيت، أو لبست فآبليت. أو تصدقت فأمضيت، كل ما سوى ذلك هو زاد تتعب في جمعه وتُحاسب على منعه، وتسأل عنه بين يدى الله تبارك وتعالى.

أن مما يملآ القلب قناعة أن يدرك الأنسان أن جمع ما لا فائدة فيه، وجمع ما لا ينتفع به هو تعب من غير طائل، ومن ثم يرضى بما أتاه الله تبارك وتعالى ويقنع به.


رابعا: فوائد القناعة كنز لا يفنى

أما فوائد القناعة كنز لا يفنى، فهي عظيمة جليلة.

أقنع الناس هم أغنى الناس.

لأن الغنى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس. رواه البخاري.

الغنى: أن تدرك أنك لست في حاجة إلى غير الله تبارك وتعالى، وأن تستغنى عن الناس وعما في أيدى الناس، هذا هو الغنى الحقيقي، فالقانع هو أغنى الناس.

وقد ورد أن موسي عليه السلام  سأل ربه عز وجل: أي رب، أي عبادك أغنى؟ قال عز وجل: أقنعهم بما أعطيته، قال: يارب فأي عبادك أعدل ؟ قال عز وجل: من دان نفسه.


وفي روايه عن ابن عباس رضى الله عنهما أن موسي عليه السلام  سأل ربه، قال: رب أي عبادك أغنى؟ قال: الراضي بما أعطيته، قال: فأي عبادك أحب إليك؟ قال: أكثرهم لي ذكرا، قال: يارب فأي عبادك أحكم؟ قال: الذى يحكم على نفسه بما يحكم به على الناس. 


ترزق الإنسان الحرية، فإن العبد يكون حرا متى قنع، عبدا متى طمع، فهو عبد للدينار، عبد للدرهم، عبد للقطيفة، عبد لمن أحسن إليه، عبد لمن كان بيده أن يعطيه أو يمنعه.

فإذا تخلص الإنسان من هذا المعنى ورُزق القناعة، لم يكن عبدا إلا لله تبارك وتعالى، وتلك قيمة في غاية الأهمية، وهذه صفة لا يصح أن يخلو منها داع إلى الله وحامل للرسالة.


خامسا: قناعة مذمومة

وإني أشير في نهاية المطاف إلى معنى خاطيء من معانى القناعة عند بعض الناس، يفهم بعض الناس القناعة أنها رضا بالواقع وعدم تغييره، وعدم سعى إلى تحسينه.

وهذا غاية الخطأ، فالقناعة ليست رضا بالواقع بكل ما فيه، إنما رضا بعطاء الله، رضا بقدر الله، وأما الواقع الفاسد، فالقناعة تعنى السعي في تغييره.


فليس من القناعة أن ترى المنكر وتسكت وترى أنك لابد أن ترضى بقدر الله وهكذا الدنيا. وليس من القناعة أن ترى معروفا فلا تسارع إليه ضنا منك بجدك وظنا منك أن هذا من القناعة.

ليس من القناعة أن يفتح لك باب رزق من حلال فتقعد ولا تلتمسه، وترى أنك قانع، لا يلزمك أن تجمع، بل يلزمك أن تسعى لتكسب لتعطى الفقراء من مال الله وتنفع دين الله ودعوة الله بمالك.

ليس من القناعة على الإطلاف الرضا بالباطل، أو الرضا بالواقع السيىء، أو الرضا بالواقع المر، بل هذا من السلبية التي نهانا الله تبارك وتعالى عنها بل هي ما يسمى باللامبالاة.

ترى المنكر وترى الباطل وترى أهله، وترى الحق ينكمش والباطل يتمدد وترى أسباب الفساد، ثم تقعد وترى أنك قانع بما أنت فيه، فهذا ليس من القناعة.


القناعة إذن، هي  معنى نفسي يعنى الرضا  بعطاء الله، ويعنى عدم التذمر أو التسخط على ما أعطاك الله تبارك وتعالى، لكنه لا يعنى أبداٌ أن تقعد عن تحصيل الرزق الحلال أو أن تقعد عن إصلاح الفساد وتقويم العوج.

هذا هو المعنى الصحيح للقناعة أيها الأحبة، أسأل الله العلي العظيم أن يقنعنا بما آتانا، وأن يبارك لنا فيما رزقنا، وألا يفتننا بما زوى عنا، وأن يوفقنا أن نكون من أهل الخير، إنه ولى ذلك والقدر عليه.

وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات منوعة.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة