
فرحة العيد تُذكر بأخوة الدًين. الحمد لله وفق من شاء لطاعته فكان سعيهم مشكوراً، ثم اجزل لهم العطاء والمثوبة فكان جزاؤهم موفوراً، وأصلى وأسلم على خير من صلى وصام وتلا القرآن، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعدُ:
فحرى بكم، يامن وفقتم لصيام شهر رمضان، وتقربتم إلى ربكم بأنواع القربات، راجين الأجر والثواب من الله أن تفرحو بعد ذلك بعيدكم السعيد، فإنه اليوم الذى توج الله به شهر الصيام، واففتح به أشهر الحج إلى بيت الله الحرام، وأجزل فيه للصائمين والقائمين جوائز البر والإكرام.
عيد امتلأت القلوب به فرحا وسروراً وازدانت به الأرض بهجة ونورا، لأنه اليوم الذى يخرج فيه المسلمون إلى مصلاهم لربهم حامدين معظمين وبنعمته بإتمام الصيام والقيام معتبطين ولخيره وثوابه مؤملين.
يسألون ربهم الجواد الكريم أن يتقبل عملهم وأن يتجاوز عن مسيئهم وأن يعيد عليهم مثل هذه الأيام وهم فى خير وأمن وإيمان واجتماع على الحق والعبادة وابتعاد عن الباطل والعصيان.
حق لمن امتثل أمر مولاه فصام وصلى وقام أن يفرح يوم العيد، كيف لا وقد قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس : 58.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه" ( متفق عليه).
والعيد غبطة فى الدين والطاعة وبهجة، فى الدنيا والحياة ومظهر القوة والإخاء، إنه فرحة بانتصار الإرادة الخيرة على الأهواء والشهوات والرضا بطاعة المولى، والوعيد الكريم بالفوز بالجنة والنجاة من النار، فالعيد موسم بهجة، ابتهاج بالتوفيق للطاعة، لكن مع هذه البهجة.
فرحة العيد تُذكر بأخوة الدًين حال المسلمين
فرحة العيد تُذكر بأخوة الدًين، وهذا الفرح الممدوح حرى بنا جميعا أن نتذكر أمورا مهمة لا ينبغى أن تغيب عن أذهاننا فى يوم عيدنا، لأن من الناس من تطغى عليه فرحة العيد فتستبد بمشاعره ووجدانه لدرجة تنسيه واجب الشكر والاعتراف بالنعم.
وتدفعه إلى الزهو بالجديد، والإعجاب بالنفس حتى يبلغ درجة المخلية والتباهى، وما علم هذا أن العيد قد يأتى على أناس قد ذلوا من بعد عز، فتهيج فى نفوسهم الأشجان، وتتحرك فى صدورهم كثير من الأحزان.
ذاقوا من البؤس ألوانا بعد رغد العيش، وتجرعوا من العلقم كيزانا بعد وفرة النعم، فاعتاصوا عن الفرحة بالبكاء، وحل محل البهجة الأنين والعناء.
تذكروا إخوانى وأنتم تعيشون فرحة العيد إخوانا لكم اخترمتهم المنية وأدركهم الموت فلم يدركوا يومكم هذا، فهم فى قبورهم محتجزون، وباعمالهم مرتهنون، وإنكم إلى ما صاروا إليه صائرون، فهم السابقون، وإنا إن شاء الله بهم لاحقون، فلا تنسوهم من دعوة صالحة بأن يقيل الله عثراتهم ويغفر زلاتهم ويتجاوز عن ذنوبهم.
تذكروا إخوانى وأنتم تعيشون فرحة العيد بصحة وعافية إخوانا لكم اقعدهم المرض وأعاقهم عن مشاركتكم الفرحة، فاحمدوا الله على ما أنتم فيه من صحة وعافية وسلامة ولا تنسوا إخوانكم أولئك من دعوة صالحة، أن يشفى مريضهم ويزيل باسهم ويفرج همهم ويكشف كربتهم.
تذكروا إخوانى وأنتم تعيشون فرحة العيد بامن وأمان وراحة واطمئنان إخوانا لكم أهلكتهم الحروب، وأرقتهم الخطوب وأقلقتهم الفتتن وتسلط عليهم العدو فأريقت فيهم الدماء ورملت النساء ويُتم الأطفال، ونهبت الأموال.
فاحمدوا الله على ما أنتم فيه من أمن وأمان، ولا تنسوا إخوانكم أولئك من دعوة صالحة بأن ينفس الله كربتهم، ويفرج همهم، ويكبت عدوهم.
تذكروا إخوانى وأنتم تعيشون فرحة العيد تُذكر بأخوة الدًين بالحلل البهية والملابس الجميلة إخوانا لكم أرقهم الفقر، وأقعدتهم الحاجة، فمنهم من لم يجد لباسا يواريه، أو مسكنا يؤويه أو طعاما يشبعه ويغذيه، أو شرا يرويه.
فاحمد الله على ما أنتم فيه من نعمة وخير ولا تنسوا إخوانكم هؤلاء من دعوات صالحات بأن يغنيهم الله من فضله، يغنى فقيرهم ويشيع جائعهم، ويكسو عاريهم ويسد حاجاتهم، ويكشف فاقتهم ولا تنسوهم كذلك من يد المساعدة لهم، إما بمال أو لباس أو طعام أو لحاف:(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المزمل: 20.
تذكروا إخوانى وأنتم تعيشون فرحة العيد إخوانا لكم قيدتهم الذنوب، وكبلتهم الخطايا، فمضى المؤمنون المجدون فى طاعة الله، تنافس الصالحون فى التقرب إليه سبحانه، وهؤلاء فى لهوهم وغيهم سادرون.
وعن طاعة الله والتقرب إليه متقاعسون، وعلى المعاصي والخطايا والأثام مكبون، تمر عليهم مواسم العبادة والمنافسة فى فعل الخير فلا يتحركون فأحمدوا الله على ما أمدكم به من توفيقه. وما هداكم إليه من التقرب إلى مرضاته.
قال الله تعالى:(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) فاطر: 32.
لا تنسوا إخوانكم أولئك من دعوة صالحة أن يهديهم ربهم إلى الخير، وأن يردهم إلى الحق رداً جميلا، وأن يصلح ضالهم، ويوفق حائرهم، ويشرح صدورهم، ويحبب إليهم الإيمان ويزينه فى قلوبهم.
استدامة أمر الطاعة وامتداد زمانها. تذكروا إخوانى وأنتم تعيشون فرحة العيد، إن استدامة أمر الطاعة وامتداد زمانها زاد الصالحين وتحقيق أمل المحسنين وليس للطاعة زمن محدود ولا للعبادة أجل معدود، بل هى حق لله على العباد يعمرون بها الأكوان على مر الأزمان.
وشهر رمضان ميدان لتنافس الصالحين وتسابق المحسنين، يسمون بأرواحهم إلى الفضائل ويمنعون عنها الرذائل ويجب أن تسير النفوس على نهج الهدى والرشاد بعد رمضان، فالمسلم حقا من تكون تقوى الله دثاره طيلة عمره ولباسه مدة حياته، والمؤمن الحق من يكون عمله بالطاعات.
واجتنابه للمعاصي ديدنا له ومنهاجا الى ان يتوفاه الله، فلا تزيده مواسم الخير إلا اجتهادا فى العبادة، وحرصا على الطاعة، قرأ الحسن البصرى رحمه الله تعالى قوله:(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الحجر: 99.
فقال: إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت.(الزهد لابن المبارك صـ 271).
وقال ابن المبارك فى الزهد: واعلموا اخوانى أن للقبول والربح فى هذا الشهر علامات وللخسارة والرد أمارات، وأن من علامة قبول الحسنه فعل الحسنة بعدها.
ومن علامات السيئة: السيئة بعدها، فاتبعوا الحسنات بالحسنات تكن علامة قبولها وأكثروا من الحسنات بعد السيئات تكن كفارة لها ووقاية من خطرها.
قال الله تعالى:(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود: 114.
والمعنى: فمن كانت حاله بعد رمضان أحسن منها قبله، بأن كان مقبلا على الخير، حريصا على الطاعة، مواظبا على حضور الجمع والجماعات، بعيدا عن المعاصي والسيئات، فهذه أمارة قبول عمله، إن شاء الله تعالى.
أما من كان حاله بعد رمضان كحاله قبله من ترك الطاعات والانغماس فى المعاصي والسيئات فهذا أمره إلى مولاه.
وأخيراً تذكروا إخوانى وأنتم تعيشون فرحة العيد أن يكون هذا العيد نفطة تحول من حياة الأمة من الفرقة والاختلاف إلى الاجتماع على كلمة التوحيد والائتلاف.
إن أخوة الإسلام هى روح الإيمان القوى، وأساس المشاعر الكريمة التى يكنها المسلم لإخوانه، حتى إنه ليحيا بهم ويعيش معهم وفيهم، فكانهم جميعا أغصان تفرعت من دوحة عظيمة متسعة واحدة، وانبثقت من أصل واحد.
لتبقي القاعدة الكبرى التى يقوم عليها المجتمع الاسلامى العالمى، تضمه آصرة خاصة، وتظله راية واحدة لا ثانى لها، إنها راية الإيمان، وآصرة الأخوة فى الإسلام.
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الحجرات 14:13.
مقالات هامه:
إرسال تعليق